الجواب :
"اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي :
القول الأول
: يذبحها وتجزؤه ، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي
وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1) .
القول الثاني
: لا تجزؤه ، ولا بد أن يذبح بدلها ، وهو قول الحنفية والمالكية (2) .
حجة الفريق الأول :
ما ورد في الحديث عن أبي سعيد t قال :( اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي e فقال : ضح به ) رواه أحمد والبيهقي (3)
.
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال
:( ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي e فأمرنا أن نضحي به ) (4)
.
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد
:( أن رجلاً سأل النبي e عن شاة قطع الذئب ذنبها ، يضحي بها ؟ قال : ضح بها ) (7) .
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث
أبي سعيد :[ وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ] (8) .
قال الشوكاني :[ فيه دليل على أن ذهاب
الألية ليس عيباً في الضحية ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله ،
كما يدل على ذلك رواية البيهقي ] (1) .
ومما يؤيد القول الأول : أن ابن الزبير
رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال :[ إن كان أصابها بعدما اشتريتموها
فأمضوها ، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ] (2) .
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال
:[ إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة ] (3) .
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء :[
ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء ، كما لو حدث بها عيب بمعالجة
الذبح ] (4) .
حجة الفريق الثاني :
قال الزيلعي الفقيه :[ ولو اشتراها
سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية ، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان
غنياً .
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك ؛ لأن الوجوب
على الغني بالشرع ابتداءً ، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء .
والفقير ليس عليه واجب شرعاً ، فتعينت
بشرائه بنية الأضحية ، ولا يجب عليه ضمان نقصانها ، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت
نصاب الزكاة ] (5) .
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال :[
ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير … ] (6) .
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين
إضجاعها للذبح ، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها ، فعورت أو كسرت رجلها ،
فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول :
أنه يذبحها وتجزئه أضحية ، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة ،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1) .
قال صاحب الدر المختار :[ ولا يضر
تعيبها من اضطرابها عند الذبح ] (2) .
وقال الكاساني :[ ولو قدم أضحية ليذبحها
فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه .
وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت .
والقياس أنه لا يجوز .
وجه القياس : أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو
كان قبل حال الذبح.
وجه الاستحسان : أن هذا مما لا يمكن الاحتراز
عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها ] (3) .
القول الثاني :
لا تجزئه ، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4) .
القول الراجح :
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز
الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها ، وكذا إن طرأ العيب عليها
عند معالجة ذبحها .
أما في الحالة الأولى : فقد سبق القول
بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة ، وهذا قد اشترى
الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا
يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق
، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي .
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك
تقوية له .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد تكلموا
في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة ] (1) .
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى
بالرواية الأخرى عند البيهقي ، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره .
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن
ابن الزبير أيضاً ، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري .
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح - :
فأرى أنها مجزئة أيضاً ، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح ، وقد تصيبه
السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك ، فالقول
بالإجزاء هو الأولى ، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه
سيتكلف بدلها والله أعلم .
الدكتور حسام الدين عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
(1)
المغني 9/433 ، مصنف عبد الرزاق 4/386 ، السيل الجرار 4/85 .
(2)
تبيين الحقائق 6/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، حاشية الدسوقي 2/125 ، جامع الأمهات ص 228 .
(3)
الفتح الرباني 13/80 ، سنن البيهقي 9/289 .
(4)
سنن ابن ماجة 2/1051 .
(5)
المصدر السابق .
(6)
المحلى 6/12 .
(7)
سنن البيهقي 9/289 .
(8)
منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/133 .
(1)
نيل الأوطار 5/133 .
(2)
نيل الأوطار 5/134 .
(3)
مصنف عبد الرزاق 4/386 .
(4)
المغني 9/444 .
(5)
تبيين الحقائق 6/6 ، وانظر بدائع الصنائع 4/216 .
(6)
تبيين الحقائق 6/6-7 .
(1)
حاشية ابن عابدين 6/325 ، المغني 9/444 .
(2)
الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/325 .
(3)
بدائع الصنائع 4/216-217 .
(4)
حاشية الدسوقي 2/124 ، المجموع 8/400 ، كفاية الأخيار ص 529 .
(1)
فتح المالك 7/7 .
0 التعليقات :
إرسال تعليق